"الـسيـاسة" في ا لـسـيـنـمـا الـمـغـر بـيـة-عبد الكريم واكريم
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
إشراق

"الـسيـاسة" في ا لـسـيـنـمـا الـمـغـر بـيـة

  عبد الكريم واكريم    

يمكن إرجاع  ظهور «السينما السياسية» إلى الخمسينيات من القرن الماضي مع بعض أفلام «الواقعية الإيطالية الجديدة»، لكن لا يمكن الحديث عن مصطلح «السينما السياسية» كنوع قائم الذات إلا مع فيلم ك «زد» (1969) للمخرج اليوناني- الفرنسي كوستا غافراس..
أما السينما المغربية فظلت ومنذ نشأتها تتعامل بحذر مع كل ماله علاقة بما هو سياسي. ورغم أن بعضا من الأفلام القليلة جدا وأهمها «حرب البترول لن تقع»(1974) حاولت خرق هذه القاعدة إلا أن مواجهتها بالمنع كانت رسالة استوعبها باقي السينمائيين، بل حتى من حاولوا الاستمرار والسير في هذا الخط، ومن بينهم سهيل بن بركة نفسه صاحب الفيلم المذكور، تم استيعابه ليصبح فيما بعد مديرا للمركز السينمائي المغربي والمشرف على منع الآخرين من السير في نفس الخط بإشرافه على الرقابة ذاتها.
وسننتظر إلى أواخر سنوات حكم الحسن الثاني لنشاهد فيلما ك «مكتوب»(1997) لنبيل عيوش ثم «عبروا في صمت»(1998) لحكيم النوري و«بيضاوة»(1998) لعبد القادر لقطع أو «ضفائر»(2000) لجيلالي فرحاتي، وهي أفلام تناولت مواضيع سياسية بطرق متفاوتة في الجرأة وأساليب الطرح الفنية..ففيما استوحى نبيل عيوش في فيلم «مكتوب» حادثة العميد ثابت مضيفا إليها أحداثا خيالية، مخترقا لأول مرة حاجز المحظورات التي كانت بمثابة الخطوط الحمراء إلى حينها، ومن أهمها تصوير ضابط شرطة مغربي فاسد وقاتل (أدى الدور باقتدار الممثل محمد مفتاح)، جاء فيلم «بيضاوة» أنضج فيلم «سياسي» في هذه الحقبة خصوصا أنه كان يندرج ضمن بضع أفلام لعبد القادر لقطع تروم مساءلة طابوهات الدين والسياسة والجنس، وخلخلة وجهات النظر إليها، بجرأة قل مثيلها في السينما المغربية إلى حين ذلك التاريخ، الأمر الذي عرض هذه الأفلام لمقص الرقيب وللمنع أيضا ثم الإفراج عنها لاحقا نظرا لخصوصية المرحلة الحرجة التي حتمت ذلك.
أما جيلالي فرحاتي المعروف عنه لحدود سنة 2000 اهتمامه بمواضيع المرأة في حدود ماهو اجتماعي من الظروف المحيطة بها، مع  لمسات جد فنية تهتم بالشكل وتعطيه الأسبقية على المضمون بما في ذلك جمالية الصورة فقد حقق ب«ضفائر» الوصول إلى تلك الوحدة بين الشكل والمضمون من خلال تناول موضوع رغم أنه ليس بمثل الجرأة السياسية للأفلام السابقة إلا أنه يتفوق عليها من الناحية الجمالية.
وجاء «عبروا في صمت»(1998) لحكيم نوري كأول فيلم من سلسلة أفلام سنوات الرصاص فاتحا الباب مبكرا لأفلام أخرى ستتناول نفس المرحلة بجرأة أكبر بعد ست سنوات من ذلك.
إذ بعد وفاة الحسن الثاني وبالضبط في بداية ما سمي ب«العهد الجديد» وتزامنا مع لحظة انفراج سياسي عابرة، ومحاولة من الدولة التخلص من إرث الماضي السياسي، تم ابتداء من سنة 2003 دعم أفلام حول فترة سنوات الرصاص، وكان أول هذه الأفلام هو «الغرفة السوداء» أو «درب مولاي الشريف» لحسن بن جلون والذي أتى مباشرا وبسيطا في طرحه وبدون أي طموح فني يذكر، ثم تلاه فيلم «جوهرة بنت الحبس» لسعد الشرايبي والذي ربما كان أكثر فنية خصوصا في كتابته التي شارك فيها الروائي والمسرحي وكاتب السيناريو يوسف فاضل، ثم فيلم «منى صابر» لعبد الحي العراقي الذي تابع مسار شابة تعود إلى المغرب للبحث عن أب لم تره قط يقال أنه ربما معتقل سياسي سابق، و«طيف نزار» للمخرج كمال كمال الذي تدور أحداثه في زمن ومكان غير محددين مع اختيار فني للعربية كلغة حوار توازي هذا الاختيار وتزيد من غرابة الشخصيات ومفارقتهم للواقع. لكن يمكن الجزم أن فيلم «الذاكرة المعتقلة» للجيلالي فرحاتي قد أتى أكثر نضجا من ضمن أفلام سنوات الرصاص والجمر هاته، بعدم إصرار مخرجه على تناول هاته الحقبة بصورة فجة ومباشرة واختياره قصة تدور أحداثها سنوات بعد ذلك من خلال تتبع مسار شيخ قضى شرخ حياته بالسجن، متناولا قضية الذاكرة بأبعاد تتجاوز ماهو شخصي إلى ماهو عام ويمس مصير وتاريخ البلد، مفضلا التلميح على التصريح.
أما نبيل الحلو فرجع في فيلم «ثابت أو غير ثابت» لقضية العميد ثابت لا لكي يستلهم منها أحداثا خيالية كما فعل نبيل عيوش في «مكتوب» قبل ثماني سنوات من ذلك بل ليسرد أحداث ما جرى بالتفصيل الممل بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من حمولة «الثقل على القلب».
بعد ذلك سنشاهد فيلمين يتناولان تيمة السياسة من منظور مختلف، ويحضر فيهما الشأن السياسي داخل الحركة الطلابية المغربية في فترتين متباعدتين من تاريخ هاته الحركة التي أثرت بقوة في الخريطة السياسية للمغرب الحالي. الفيلم الأول هو «زمن الرفاق»(2008) للمخرج محمد الشريف الطريبق والذي يرصد فيه مسار الحركة الطلابية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، والتي شهدت انحسار التيار اليساري ممثلا في الفصيل القاعدي، وصراعاته مع فصائل التيار الإسلامي التي أصبحت آنذاك أكثر تواجدا في الساحة الطلابية واستقطابا للطلاب.
أما الفيلم الثاني فهو «فينك أليام»(2009) لإدريس شويكة والذي تناول نفس التيمة لكن في فترة سابقة وأكثر سخونة هي فترة السبعينيات أثناء سنوات الرصاص.
وسننتظر حلول هذه السنة(2011) لنشاهد فيلم «نهاية» لهشام العسري الذي تدور أحداثه، التي يختلط فيها الواقعي بالسوريالي، أثناء وفاة الحسن الثاني، وهو فيلم صور بالأبيض والأسود وتميز بأسلوب مختلف وطليعي وساءل فيه مخرجه «الثالوث المحرم» الدين والجنس والسياسة بنوع من الجرأة.
على العموم تظل تيمة السياسة في السينما المغربية متعلقة بهامش الحرية الذي كان يسمح به النظام، لكن ما يحدث الآن في المغرب والعالم العربي كفيل بفتح الأبواب على مصارعها على كل طابوهات السياسة وغير السياسة، لكي تدخل رياح التغيير المنعشة.



 
  عبد الكريم واكريم (2011-04-28)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia